أرادتْ أن يغلب عليهن استحقاقُ الملامة، وتَنْفِيَ عن نفسها أن تكون لها أهلاً، ففعلت بهن ما عَمِلَتْ، فلمَّا رأينه تَغَيَّرْنَ وتحيَّرْنَ ونطقن بخلاف التمييز، فقلن: {مَا هَذَا بَشَرَاً}: وقد كان بشراً، وقلن: {إنْ هَذَا إلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ}: ولم يكن مَلَكاً.قوله: {فَذَلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ}: أثَّرَتْ رويتُهن له فيهن فَقَطَّعْنَ أيديَهن بدل الثمار، ولم يشعرن، وضعفن بذلك عندها فقالت: ألم أقل لكن؟ أنتن لم تتمالكن حتى قطّعْتنَّ أيديَكُنَّ! فكيف أصبر وهو في منزلي؟! وفي معناه أنشدوا:(أنت عند الخصام عدوي............................)ويقال إن امرأة العزيز كانت أَتَم في حديث يوسف- عليه السلام- من النسوة فَأَثَّرَتْ رؤيتُه فيهن ولم تُؤَثِّرْ فيها، والتَّغَيُّرُ صفة أهل الابتداء في الأمر، فإذا دام المعنى زال التغيُّر؛ قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- لمن رآه يبكي وهو قريب العهد في الإسلام: هكذا كُنَّا حتى قَسَتْ القلوبَ. أي وقَرَتْ وصَلُبَتْ. وكذا الحريق أول ما يطرح فيها الماء يُسْمَعُ له صوتٌ فإذا تَعَوَّدَ شُرْبَ الماء سَكَنَ فلا يُسْمعُ له صوت.